"نحن المطرودون من رحمة المجتمع: صرخة لقيط"
نحن اللقطاء، أبناء الليلة الواحدة. لا نعرف من آبائنا سوى أنهم سبب وجودنا، ولا نعرف من أمهاتنا إلا الألم. لا عائلة، لا بلدة، لا اسم حقيقي. منبوذون في مجتمع لا يرحم، ينظر إلينا بنظرات قاسية تقتل فينا الأمل. نحاول كثيرًا إنكار حقيقتنا المرة، لعلنا نجد قبولًا، ولكن هذه هي مأساتنا... نحن اللقطاء.
عندما حملت بي أمي بعد خطأ واحد، كنت أنا الضحية. توسلت إلى أبي كي يتحمل مسؤوليته، فأنكرني واتهمها وحدها، وأغلق بابه في وجهها. خرجت أمي مكسورة، تبكي صامتة، تفكر في كيف تتخلص مني. كلما أرادت موتي، كلما تمسكت أنا بالحياة. حاولت إسقاطي مرارًا، لكن إرادة الله منعت ذلك، فاستسلمت للأمر الواقع، وتوارت عن الأنظار حتى لا يفضحها حملها.
حين جاء موعد ولادتي، ظننت أنها بداية حياتي، لكنها كانت نهايتي. ألبستني جلبابًا صغيرًا مثل بقية الأطفال، لم أكن مختلفًا في المظهر، بل في المصير. حضنها لم يحمل حبًا، بل ألمًا وخزيًا. كادت تقتلني، لكنها رقّت، وقبّلت جبيني. كنت أتضور جوعًا، فوضعت في فمي "سكاتة" لأسكت، لا لترضيني. ثم حملتني في هدأة الفجر، وغادرت متخفية، وأنا بين ذراعيها، لا أُصدر صوتًا. حتى وصلت إلى صندوق القمامة، هناك وضعتني... وتركتني لرائحة العفن بدلًا من رائحة الأمومة.
حين جاء الصباح، كان الصوت الوحيد الذي يملأ المكان هو زقزقة العصافير. فجأة، ظهر كلب يقترب مني، يلعق وجهي بلسانه. كنت أعتقد أنه سيأخذني ويخلصني من معاناتي، لكن الكلب لم يفعل. تركني وحيدًا، ارتجف جسدي من البرد، وأنا في الهواء الطلق لا أجد من يحنو علي. لم تكن قد مرّت ساعات قليلة على ولادتي، وأنا في هذا الجحيم من الوحدة والبرودة. لم يكن أمامي سوى الصمت.
جاء رجل مسن، فظننت أنه سيرحمني، لكنه بدلًا من أن يمد يده لي، ألقى عليّ بفضلات القمامة. كأنني مجرد قطعة نفاية لا قيمة لها. غطاني ببقايا طعام بالية، ولم يرَني. لم أعد أريد شيئًا سوى أن يعلم الجميع أنني على قيد الحياة. صرخت بأعلى صوتي، كي أُسمع. "لم أفعل شيئًا، أنا لا أستحق هذا الظلم!" هكذا كانت صرخاتي.
بعد قليل، جاء بعض المارة، يتبعون صوتي. رفعوا عني القمامة، ليكتشفوا وجهي، فزعوا جميعًا. كانوا كما فزع والدي ووالدتي حين علموا بحمل أمي. كانت الصدمة واضحة على وجوههم. البعض تراجع للخلف، بعضهم بدأ يردد "لا حول ولا قوة إلا بالله"، والبعض الآخر تجرأ واقترب مني. واحد منهم لم يتردد في ضمي إلى صدره، بينما شعر قلبه يتقطع من الألم، وأخذني إلى قسم الشرطة. لكنني كنت أصرخ بصمت: "أنا لست المذنبة... أنظروا إلى أمي فهي المذنبة."
لاةحول ولا قوة إلا بالله
ردحذفده وصف حقيقي فعلا للمعاناة اللي بيتحملها هؤلاء الأطفال الأبرياء
ردحذف